الخطيب
الدكتور بلال ستيفن
عنوان الخطبة: عبادة
العمل
نادراً
مايكون وقع أثر خطبة الجمعة مؤثرا في المصليين، لأنه في الغالب تكون المواضيع عن أمور
معروفة لدى المصلين كخطورة الوقوع بالفاحشة وأهمية تقوى الله سبحانه وتعالى .. الخ
(لا أقلل هنا من أهمية هذه المواضيع من باب " فذكر ان الذكرى تنفع
المؤمنين"، ويفضل ان تكون في محاضرات بين الصلوات) مع الاخذ بعين الاعتبار عامل عدم قدرة المصليين مناقشة الأفكار
والمواضيع المطروحة، فانه في الغالب يأتي المصلي إلى المسجد بهدوء وسكينه ليقرأ
سورة الكهف ومن ثم يجلس ليستمع إلى خطبة لم يشارك في اعدادها ولم يكن ليستطيع ان
يحدد موضوعها الرئيسي، فيجلس سارح الذهن ينتظر نهايتها بسبب انشغاله الذهني بأمور
حياته اليومية.
لكني
اتخذت قرارا بعد قرائة كتاب الاسلام في الاسر للكاتب الليبي الصادق النيهوم أن
أركز بعض الشيء في موضوع الخطبة، وأستطيع كذلك مناقشة موضوعها مع الخطيب بعد
الفراغ من الصلاة. فأذكر اني ذهبت في أحد أيام الجمعه لسماع الخطبة في مسجد
حينا، وإذ بالامام يبدأ خطبته بداية نمطية، وفاجئني حين أخرج عدة ورقات من جيبه
بحجم A4
ليبدأ بقرائة ماهو مكتوب في الأوراق وكأنه آلة
تسجيل، ولا أذكر في الحقيقه موضوع الخطبه بالضبط، هل كانت عن ضرورة غض البصر أو الزهد
في الدنيا أو احترام الكبير والعطف على الصغير.. الله أعلم!!. فقررت أن أذهب بعد الصلاة وأحادث
الامام بالأمر الذي ضايقني، فأول مابادرته بالسلام رد علي بابتسامه فنسيت كل ماكنت أريد ان أخبره به، واكتفيت بطلب رقم تلفونه لأكلمه في موضوع خاص لاحقا، فلم أكلمه
ولن أفعل ذلك بسبب ابتسامته العفوية والجميلة التي امتصت غضبي الواضح.
على أي حال بدأ بلال
خطبته بتذكير الناس بأمور رئيسية، منها أن السبب الرئيسي لقدوم معظم الوافدين اللذين
يشكلون نسبة 80% من السكان إلى قطر هو فرص العمل. وليس بالضرورة أن كل من يوفر لي
فرصة عمل سأذهب إليه. إذ أن ديننا الحنيف وضع معايير لاختيار العمل منها على سبيل
االمثال لا الحصر أن يكون العمل ومصدر الدخل لا يتعارض مع الدين كأن يعمل في
مجالات الربى أو العمل في تجارة المخدرات. كذلك من أهم الأمور التي تضفي على العمل
شرعية من نوع ما هو عقد العمل، الذي هو عبارة عن وثيقة حفظ الحقوق بين الموظف
وصاحب العمل، تتضمن متطلبات المرشح للوظيفه والتوصيف الوظيفي وماذا يجب عليه ان
يعمل، وماذا سيحصل في المقابل.
ويقول الله تعالى في
ذلك في بداية سورة المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ
أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ
مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ). لقد لفت
الخطيب نظر المصلين الى الشرط الغير مكتوب في عقد العمل، الا وهو "العمل
بأفضل ما عندك" أو بتعبير اللغة الانجليزية Do the best you can.
حيث ان ديننا الحنيف
يحث على العمل، لكن ليس فقط العمل، بل عمل بأفضل ما في وسع الانسان أن يعمل.
مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ
إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلا أَنْ يُتْقِنَهُ ".
اذاً من واجب المسلم
الديني تجاه أي عمل يعمله - وليس فقط الأعمال المربوطة بعقد، بل إي عمل يعمله
المسلم بشكل عام في حياته- أن يعمله بأفضل ما عنده، لاستحضار جميع جوارحه،
باستخدام جميع ما يمكن له استخدامه لينجز العمل بأفضل صورة. حينها لا يمكن له ان يتظاهر
بالعمل أمام رب العمل، واذا ذهب رب العمل يتكاسل ويتقاعس، فهذه أخلاق من يعمل لأجل
المال وليس لأجل ان ينجز واجبه الديني على هذه الارض، أخلاق من يعمل لأجل انهاء
قائمة الاعمال المذكورة في عقد عمله فقط، لا يزيد ولا ينقص، وينتظر راتبه نهاية
الشهر كاملاً مكملاً على إنجازه العظيم.
يلاحظ الناس بأن من
يعمل أفضل ما عنده يَبرز بسرعه بين أقرانه ويَعرف عنه الجميع تفانيه وجده في العمل
الموكل اليه، وعندها غالباً ما يعتقد الناس بأنه يريد "الدنيا" والوصول
الى منصب ما، بدون أن يشقوا عن قلبه ويكشفوا نواياه الحقيقية، لكن المسلم الحق لا
يلتفت الى الأقوال والقصص التي تحاك في الظلام من وراء ظهره، بل ينظر الى بقعة
النور التي تملأ الأرجاء من حوله.
وفي الختام أود أن اشارك
رأيي مع القارئ الكريم، فالانتاجية في العمل تعتمد بشكل كبير على ثقافة الشركة
والبيئة التي تعمل فيها، فتجد موظفي الشركات الخاصة ذات البيئة الابداعية
والانتاجية يتنافسون على من يقدم أفضل ما عنده، وجميعهم يعلمون أنه سيتم تقديرهم
من قبل مدراءهم على العمل المنجز والطريقة التي تم بها انجاز العمل. أم بالنسبة
للبيئة الروتينية التي تتمتع بها معظم الجهات الحكومية فيجد الموظف نفسه معاق
(عاجز) ابداعياً، وحتى لو فكر في تغيير بعض الاجراءات او اختصارها اصطدم بالواقع
البيروقراطي للاعتمادات الادارية وغيره من الموفقات التي لا حصر لها. فلا يمكن طلب
من موظف ان يعطي افضل ما عنده في بيئة تأمرك وتشجعك على الالتزام الصارم بالقوانين
واللوائح والاجراءات، فقط وفي ذلك الحين لن تبدع الا في تزيين مكتبك. وليتذكر
اخواني الموظفين انه اليوم هو يعمل لصاحب عمل معين او مدير، لكن غدا سيكون هو رب عمل،
فتعامل مع رب العمل الآن كما تحب ان يتعامل به موظفيك في المستقبل.
No comments:
Post a Comment