بالتزامن مع الأحداث في تركيا من انقلاب فاشل، أقدم لكم اليوم رواية من
أفضل الروايات التي قرأتها وهي رواية قواعد العشق الأربعون للكاتبة التركية إيليف
شفاق. يدور موضوع الرواية عن الصوفية من حيث نشأتها والظواهر الاجتماعية التي دارت
حولها ونظرة الناس المختلفة لها في أسلوب روائي رائع. وبالرجوع الى تعريف الصوفية اللغوي فيُعتقد أنها جاءت من تسمية أهل
الصُفّة
وهم عبارة عن مجموعة من فقراء المهاجرين أصحاب الرسول صلى الله
عليه وسلم، ويُقال أيضاً هي من أصل كلمة الصوف لأن أهل الصوفية يكثرون من لبس
الصوف الأبيض الدال على الكفن وصفاء الباطن، والكثير من التعاريف الاخر كذلك
تجدونها على الانترنت.
أما الصوفية كحركة
اجتماعية فهي عبارة عن رد فعل انساني على تردي الأوضاع في المنطقة بسبب تمزق الأمة
وهجوم المغول بالإضافة الى الحروب الصليبية وغيره من النكبات التي حلت بالأمة، فهي
تُعنى بالرجوع الى فطرة الانسان ومعرفة الله حق المعرفة. فالتصوف عبارة عن الهروب
الى الداخل والعزلة والرجوع الى دين الفطرة والتوحيد لله. فأحد قواعد العشق الأربعون
تنص على " الوحدة والعزلة شيئين مختلفين. فعندما تكون وحيداً يسهل أن تخدع
نفسك وتظن أنك تسلك الدرب الصحيح. أما العزلة فهي أفضل لنا لأنها تعني أن الفرد
يكون وحيداً دون أن ينتابه الاحساس بالوحدة. ولكن الأفضل في نهاية المطاف أن يجد
المرء شخصا يكون مرآة لك. تذكر أنك لا تستطيع رؤية نفسك وحضور الله في أعماقك إلا
من خلال قلب شخص آخر".
نستطيع القول بأن التصوف
هو شبيه جداً بالسلفية، إذ أن السلفية كمعتقد جاء في فترة لاحظ كبار العلماء فيها
ضعف الدين في البلاد الاسلامية، فجائت السلفية كعلاج مرحلي لتردي الاوضاع في دولة
الاسلام من خلال إعلان ضرورة الرجوع الى منهج السلف الصالح.
فالصوفية هي رياضة
وترويض للنفس وإبعادها عن سبل الراحة والترف، والتفكر والتأمل في خلق الله، ومن
أعظم علماء الاسلام الذين اتصفوا بالصوفية وأبدعوا في طرقها هم ابن عطاء الله
السكندري والنووي والغزالي والعز بن عبدالسلام وشمس التبريزي وجلال الدين الرومي. فقد
قسم الامام الغزالي الصوفية في كتابه إجياء علوم الدين الى ثلاثة أنواع: 1) صوفية
الحقائق: والتي يقصد بها التوصل الى معرفة الله من خلال التأمل في الكون ، 2)
صوفية الرسوم: وهي التصوف الصوري كما في أيامنا هذه 3) صوفية الارزاق: وهي ادعاء
التصوف لكسب الرزق واثارة عاطفة وشجون الناس، وهناك فرق كبير بين أصل الفكرة وبعض تطبيقاتها
في حاضرنا اليوم. ومن الآيات التي دلت على التأمل لمعرفة حقيقة الكون وحقيقة قدرة
الله هي قوله تعالى في سورة سبأ " قل إنما
أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا
نذير لكم بين يدي
عذاب شديد"، فبعد أن استنفذ الرسول صلى الله عليه وسلم جميع طرق الإقناع
من معجزات ظاهرة وغيره، طلب من قومه أن يتعظوا بشيء واحد فقط مشتملة جميع الكلام
من نقض الشرك وإثبات الالوهية لله، والمقصود هنا قيام الليل والتأمل في الطبيعة من
حولهم وفي أنفسهم ليتوصلوا من خلالها الى معرفة الله.
ومن أهم الانتقادات
التي انتقدت الصوفية هي تقديسهم للعاطفة على حساب العقل. فمن الطبيعي تقديم
العاطفة على العقل في ظل الحروب الطائفية والتمزق الداخلي في الامة الاسلامية لدرجة
أن انسان الشارع يصعب عليه التمييز بين ما هو صحيح وخطئ ومن هو على حق ومن هو على
باطل. فجاءت الصوفية كعلاج مرحلي لهذه الفترة وتولدت منها أعظم الدول الاسلامية
منها على سبيل المثال الدولة الصفوية في إيران، والدولة العثمانية في تركيا. فكما
قال أحد الفلاسفة لا سبيل للفصل بين العقل والعاطفة ففي كلا الحالتين الموضوع يرجع
الى الدماغ. فتقول إحدى قواعد العشق الأربعون أن " العقل والحب من مادتين
مختلفتين. العقل يربط الناس ربطاً محكماً ولا خوف في ذلك. أما الحبّ فإنه يفك جميع
العقد وينطوي على مخاطر كبيرة. العقل حذر، يوجه النصائح دائما، ويقول ((حذار
الإفراط في النشوة)). أما الحب فيقول: ((آه لابأس! خاطر باتخاذ خطوة جريئة بغض
النظر عما يترتب على ذلك)). ليس سهلا على العقل أن يتفكك ولكن يمكن للحب أن يحيل
نفسه، دون عناء يذكر الى حطام، بيد أن الكنوز مخفية وسط الانقاض. فالكوكب الكسير
يخفي كنوزاً".
فالسؤال هنا هل يمكن
لروح التصوف تقديم حل مرحلي للمعضلة التي نحن بصددها في العالم الاسلامي اليوم من
تمزق ونزوح الى الغرائز الدنيا؟
وهل يمككنا الاستمرار
في تعاطي الصوفية كعلاج مرحلي مستمر في ظل المآزق التي تمر بها الأمه، أم سيصبح
هناك تزاوج بين المذاهب المختلفة وسينتج مذهب جديد يمكن ان يضفي بعض بصيص الأمل
للأمة ؟!