الصادق النيهوم كما يلقب بسيد الكلمة، هو كاتب ليبي ولد
في ثلاثينيات القرن الماضي وتوفى في سنة 1993. شكلت أفكار النيهوم جدل كبير في
أوساط العالم العربي والاسلامي بين مؤيد ومعارض. فقد صدر عنه العديد من الكتب من
خلال دار رياض الريس اللبنانية وغيرها من دور النشر.
يصعب على القارئ أن يستلهم أفكار النيهوم من كتاب واحد،
وإنما يجب على المفكر أن يقرأ له عدة كتب ليفهم مغزى وفحوى كتاباته، ويفك الترميز
التي يستخدمها النهيوم بكثرة، ومن الكتب التي يُنصح بقرائتها لنفس الكاتب هي:
الاسلام ضد الاسلام، ومحنة ثقافة مزورة. اتّبع النيهوم أسلوب التغريد خارج الحزب،
فهو يشكك في صحة بعض الاحاديث النبوية التي وصلت لنا عبر كتب السيرة والحديث، مما
أدى الى فهمها فهم مخالف لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم، منها الاحاديث التي
تحث على الزهد بالدنيا وتقوية سلطة الحاكم مهما ضربك أو أكل مالك أو انتهك عرضك،
ليختلي الحاكم بالسلطة ويبدأ بالاستبداد بقلب مطمئن ويُقنع الناس بالرضى بالقليل.
وعلى العكس من ذلك، حيث أن الاسلام جاء لنشر مفهوم الشورى والعدل بين الناس ودحض
فكرة حكم الفرد والاستبداد والطبقية. فهو قد يهاجم الحكم الفردي ويعوز هذا العفن
السياسي الذي توصلنا له اليوم الى تسامح وتساهل علماء الدين في فترة خلافة معاوية
رضي الله عنه، وتجده أحياناً يتهجم على يزيد بن معاوية، وأيضا بعض علماء السلطة في
ذلك الوقت. وينتقد بقسوة تحويل الخطاب الديني الى ألغاز لا يمكن فك رموزها الا قلة
من العارفين، والاسلام في حقيقته دين يسر سهل الفهم على الجميع.
كانت أفكار النيهوم تتمحور حول تفعيل دور الديموقراطية
الحقيقية كما جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين. من خلال يوم الجمعة واجتماع المسلمين في الجامع، حيث أن يوم الجمعة سلب
معناة الحقيقي كما أراد له الاسلام، فالهدف الرئيسي من يوم الجمعة هو ليس كما نرى
اليوم في عالمنا الاسلامي يوم إجازة وراحة، والشخص المسلم يستيقظ في ساعة متأخرة
من النهار ليغتسل ويتطيب ليدخل مسجد وينصت بدون أن يتكلم بدون ان يناقش بدون أن
يعترض، ويستمع الى خطبة لا تمت للواقع اليومي المُعاش بصلة. فحسب النيهوم يوم الجمعة
هو اجتماع برلماني عام للمسلمين في مكان واحد يعبر كل برأيه بحرية حسب قواعد
الشرع، ويناقش المسلمون الأحداث الرئيسية والقرارات التي ترتبط بهم وبمصيرهم المباشر،
منها لقمة العيش اليومية والمشاكل الاقتصادية، والمشاكل الاجتماعية من مطالبة بعدل
و مساواة، وأمر بمعروف ونهي عن منكر..الخ.
ومن الافكار الرئيسية التي تكلم عنها النيهوم هي الإعتراض
على بعض المصطلحات التي استوردناها كما هي من العالم الغربي، مع الالتزام والحرص
على دقة الترجمة. فمثل هذه المصطلحات مصطلح الأحزاب السياسية والبرلمان هي بذور
نبتت في مجتمع يختلف كل الاختلاف عن ظروفنا الثقافية والبيئية، فهذه المصطلحات
نجحت و نشأت في بيئة غربية تكونت بعد مجيء الإقطاع وتكون طبقة عمالية من الشعب نفسه،
وبعد ذلك ظهرت الثورة الصناعية، مما أدى الى غطرسة أصحاب رأس المال ومطالبة العمال
بحقوقهم، فأدى ذلك الى نشوء أحزاب سياسية تدافع عن حق العمال، وأخرى تدافع عن
أصحاب رأس المال، وأخرى حاكمة.. الخ. فنحن لم نستوطن أمريكا، ولم نجمع من ثروات
الأرض ما يكفي لخلق اقتصاد قادر على الدفاع عن نفسه ضد الاقطاع، وليس في أيدينا أن
نغير واقعاً بالكلام عن واقع سواه. لكن عندما أراد العرب تطبيق هذه السياسات في
مجتمع لا يملك رأس مال ولا يملك أراض زراعية ولا يملك عمال أو أناس مستعده للعمل
فشلو فشل ذريع. فالإصلاح في المجتمع لابد أن يستخدم أدواته الثقافية.
في الختام صحيح بأن النيهوم جاء بقرائه غير نمطية للنصوص
الدينية والواقع قد تبدوا في البداية كأنها محاولة طائشة للتفلت من الفكر السائد
والسير عكس التيار، لكن هذه الظاهرة الثقافية والاسلوب التشكيكي الذي استخدمه
النهيوم يعتبر ظاهرة صحية في جو من الكبت العام وعدم القدرة على مخالفة العقل
الجمعي للأمة بهذه الجرأة، ويعرفنا كمثقفين على جوانب أخرى من وجهات النظر.